1- المؤمن يستسلم لأوامر الله ، ويؤثر طاعته ومحبته على كل شئ ، ولو كان الزوجة الصالحة أو الولد الوحيد .
فإبراهيم ينفذ أمر الله تعالى حينما أمره أن يحمل زوجته (هاجر) وولدها الرضيع (إسماعيل) إلى واد غير ذي زرع ، ولا ماء ولا أنيس .
2- المرأة الصالحة تستجيب لأمر الله ، وطاعة زوجها مع الصبر والإيمان بالله قائلة : (اذاً لا يضيعنا الله) .
3- إبراهيم يترك زوجته الوفية ، وولده الصغير في الوادي بعد أن زودهم بكيس من التمر ، وسقاء فيه ماء ، ثم دعا لهم : ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادي غير ذي زرع عند بيتك المحرم) . وبذلك يعلمنا إبراهيم عليه السلام أن نجمع بين الدعاء والأخذ بالأسباب .
4- أم إسماعيل تبحث عن الماء عندما نفد من عندها ، وتأخذ بالأسباب وتسعى بين الصفا والمروة عدة مرات حتى وجدت الماء (زمزم) .
5- يجوز للإنسان إذا سمع صوتاً أن يطلب الغوث والعون كما فعلت أم إسماعيل وهذا من مقدور المخلوق أن يفعل ذلك ، بخلاف الميت والغائب .
6- إن الله اصطفى آل إبراهيم ، وجعل من ذريته الأنبياء والمرسلين ، فكيف يرضى إبراهيم لولده إسماعيل بزوجة لا تحيا بروحها ، بل تعيش لجسدها ، ولا يهمها إلا الطعام والشراب ، فتزدري ضيفها أبا زوجها ، فتجحد نعمة ربها ، وتشكو سوء معيشتها ، لذلك أشار إبراهيم على ولده إسماعيل بفراقها ، والتخلص منها .
7- الزوجة الثانية لإسماعيل صالحة ، تحترم ضيفها ، وتشكر نعمة ربها ، لذلك يشير إبراهيم على ولده إسماعيل بإمساكها ورعايتها .
8- الطاعة والصبر عاقبة محمودة ، وذكرى خالدة ، فالمكان الموحش الذي نزلت في هاجر أم إسماعيل ، وهو مجدب يصبح فيما بعد حرماً آمناً ، وبلداً مسكوناً ، فيه ماء مبارك )زمزم) تهوي إليه أفئدة الناس ، وتأتيه الثمرات ، وتقصده الوفود للحج من كل فج عميق ، ليستفيدوا في حل مشاكلهم ويشهدوا المنافع الدنيوية والآخروية .
أرض التوبة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلـم أنه قال : ( كان فيمن قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً ، فسأل عن أعلم أهل الأرض ، فدل على راهب ، فأتاه) .
القاتل (نادماً) : إني قتلت تسعة وتسعين نفساً ، فهل لي من توبة ؟ .
الراهب (في غباوة وجهل) : لا .
الرجل يقتل الراهب فيكمل به المائة .
ثم يسأل عن أعلم أهل الأرض ، فيدلونه على رجل عالم .
القاتل : إني قتلت مائة نفس ، فهل لي من توبة ؟ .
العالم ( في ثقة) : نعم ، ومن يحول بينك وبين التوبة !! انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله تعالى فأعبد الله معهم ، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء .
(ينطلق الرجل حتى إذا نصف الطريق ]وصل نصفه[ أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب) .
ملائكة الرحمة : جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى .
ملائكة العذاب : إنه لم يعمل خيراً قط .
(يأتيهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم) .
الملك (يحكم) : قيسوا ما بين الأرضين ، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له .
(الملائكة تقيس ما بين الأرضين فتجد التائب أقرب إلى الأرض التي أرادها بشبر ، فتقبضه ملائكة الرحمة) .
من فوائد القصة :
قال الله تعالى : {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} .
1- المذنب لا ييأس من رحمة الله ، ولو ملأ الأرض ذنوباً ، بل يجب عليه أن يتوب إلى ربه حالاً ، قال الله تعالى : {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} .
2- لا بد للجاهل من سؤال عالم بالكتاب والسنة حتى يحل مشكلاته .
3- لا يجوز للعابد أن يفتي الناس إذا كان جاهلاً ، ولو تزيا بزي العلماء ، فإن ضرره أكثر من نفعه ، وقد يعود بالوبال عليه كما في هذه القصة ، ولو كان هذا الراهب عالماً لما سد باب التوبة على من سأله ، ولما عرض نفسه للقتل .
4- العالم : هو الذي يفتح للناس باب التوبة ، ويغلق باب القنوط من الرحمة ، فهو كالطبيب يأخذ بيد المريض نحو الشفاء ، ويفتح له باب الرجاء) .
5- على المذنب إذا أراد توبة أن يهجر أصحابه الذين اشترك معهم في الذنب ، وأن يهجر الأماكن التي يرتادها للمعصية .
6- على التائب أن يرافق الصالحين ليعتاد فعل الطاعات وترك السيئات ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل) .
7- التحاكم إلى عالم بالكتاب والسنة مشروع عند الاختصام .
8- لا تحتقر مذنباً مهما فعل ، لأنك لا تدري بم يختم له : ففي الحديث : ( أن الرجل ليعمل عمل الجنة فيما يبدو للناس ، وهو من أهل النار ، وأن الرجل ليعمل عمل النار فيما يبدو للناس ، وهو من أهل الجنة ) - زاد البخاري ( وإنما الأعمال بخواتيمها) .