حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سلمت تبسم تبسم المغضب ، ثم قال : تعال ، فجئت أمشي حتى جلست بين ديه .
رسول الله صلى الله عليه وسلم (في عتب وغضب) : ما خلفك ؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك . (اشتريت ركابك) .
كعب (في صدق واعتراف) : بلى إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر ، ولقد أعطيت جذلاً لكنني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك عليّ .
ولئن حدثتك حديث صدق تجد عليّ فيه ، إني لأرجو فيه عفو الله ، والله ما كان لي عذر ، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك .
رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما هذا فقد صدق ، فقم حتى يقضي الله فيك . ( يشب رجال من بني سلمة يتبعون كعباً) .
قوم كعب : والله ما علمناك أذنبت ذنباً قبل هذا ، ولقد عجزت في أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به المتخلفون ، فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك .
كعب : فوالله ما زالوا يؤنبونني (يلوموني) حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكذب نفسي .
كعب لقومه : هل لقي هذا معي من أحد ؟ .
قوم كعب : نعم لقيه معك رجلان قالا مثل ما قلت ، وقيل لهما مثل ما قيل لك .
كعب : من هما ؟ .
قومه : مرارة بن الربيع العمري ، وهلال بن أمية الواقفي .
قال كعب :فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً فيهما أسوة ، فمضيت حين ذكروهما لي .
الهجرة جزاء المتخلفين :
قال كعب : ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه ، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا ، حتى تنكرت لي في نفسي الأرض (تغيرت) فما هي بالأرض التي أعرف ، ولبثنا على ذلك خمسين ليلة ، فأما صاحباي فاستكانا (ضعفا) وقعدا في بيوتهما يبكيان ، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم (أقواهم) ، أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين ، وأطوف في الأسواق ، ولا يكلمني أحد ، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسه : هل حرك شفتيه ، يرد السلام أم لا ؟ .
ثم أصلي قريباً منه وأسارقه النظر ، فإذا أقبلت على صلاتي نظر اليّ ، وإذا التفت نحوه أعرض عني .
كعب يتسور على ابن عمه البستان :
قال كعب : حتى إذا طال ذلك عليّ من جفوة المسلمين مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة ]بستانه[ وهو ابن عمي وأحب الناس اليّ ، فسلمت عليه فوالله ما رد عليّ السلام .
فقلت له : يا أبا قتادة أنشدك الله عل تعلمني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فسكت ، فعدت فناشدته ، فسكت ، قعدت فناشدته فقال : الله ورسوله أعلم ، ففاضت عيناي ، وتوليت حتى تسورت الجدار .