بِسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ
اللَّهُمَّ صَّلِ عَلَى مُحمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ عَجّلْ فَرَجَهُمْ
اللَّهُمَّ صَّلِ على فَاطِمة وَ أبيها وَ بعلها وَ بنيها والسّر المُستودع فيها بِـ عدد ما احاط به علمك ..
بسم الله الرحمن الرحيم
(( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ))
{الأنعام / 153}
قبل ان نعيش في أجواء الأهداف التي تبنتها الآية لا بأس بالتمهيد بمقدّمة ان الإنسـان ولد على الفطرة وهي تدعوه إلى الخير والحق وتشوقه إلى القيم وتردعه عن المعاصي والإنحرافـات فهي قوة أودعت في الإنسان كي يستعين بها لتحصيل الكمالات المناسبة له كما وأودع في نفس الإنسـان محكمة مصغّرة تسمى بلغة القرآن بالنفس اللوامة (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) {القيامة1/2}
وتسمى في العـلوم الأدبية والنفسية بالضمير
وهي محكمة لا تحتاج إلى شهود بل هي الشاهد والقاضي فقبل إرتكاب الذنب تحذّره وتخوّفه وبعد الإرتكـاب تؤنبه وتلومه لذلك سمّيت باللوامة وهذه من نعم الله الكبيرة على الإنسان وهو المسمى بالهداية الفطرية لكن هذه الفطرة قد تتعرض إلى الضعف والإنحراف عن مسارها بسبب الأهواء والأغراض الدنيوية (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) {الشمس9/10}
فهذه الآية تشير بأن الإنسان ممكن أن يحرفها عن مسارها الطبيعي وتعبّر عنه الآية بالدسّ أي الطم عن معالم الحق وكذلك يمكن أن ينميها ويطوّرها فعبّرت عنها الآية بالتزكية أي النمو.
وهناك قوانين كثيرة تحكم الفطرة نتعرض إلى البعض منها:
القانون الأول
1ـ العلاقة بين الفطرة والعمل الصالح وهي علاقة إيجابية كلما كثر العمل الصالح كلما نمت الفطرة وازدادت كالصلاة والصدقة وبر الوالدين وهذه واحدة من الآثار التي تترتب على الصلاة وهي تنمية الفطرة.
2ـ العلاقة بين الفطرة والعمل السيء فكلما ارتكب الإنسان الأعمال السيئة بدأت الفطرة بالضمور والدس حتى تنحرف عن مسارها كالسرقة والغيبة والزنا ويمكن القول ان الإكثار من المباحات يولّد غفلة في الفطرة، مثلاً كثرة الجلوس لرؤية برامج التلفاز أو كثرة المزاح مع الأصدقاء وغيرها.
القانون الثاني
إن الفطرة لا تموت وهذا المعنى يمكن أن نستفيده من الآية المباركة التي خاطب بها المولى تعالى موسى (عليه السلام) عندما بعثه إلى فرعون (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى {طه43/44} إن فرعون رغم الجرائم التي ارتكبها بحق بني إسرائيل وقتله الأطفال والنساء فإن الآية تتحدث بلسان الرجاء لعلّه يتذكّر أو يخشى.
القانون الثالث
ويمكن القول إنه من أهم القوانين التي تتمتّع بها الفطرة فهي تدعو الناس إلى الحق وتشوّقهم إليه من خلال سبل الحق فهي تشوّق الناس إلى الغاية الصالحة وإلى الطريق الصالح أيضاً.
الإبتلاء في الوسيلة
الطرق إلى الحق واضحة كالحق وحاشى للمولى أن يجعل طرق الحق مظلمة أو خفية ولكن أصحاب الأغراض والأطماع هم الذين يوهمون ويظللون الناس ففي زمن الإمام الحسن (عليه السلام) كان رأيه قتال معاوية في بادئ الأمر حتى رأى الخذلان في وجه الأمة بعد ذلك انتقل إلى الصلح لتحقيق مصالح عليا للدين وما ان حصل الصلح حتى انتعض منه جزء من مجتمعه واعتقدوا به تنازل عن الحق وظهوراً لأهل الجور في الحقيقة هؤلاء لم يفهمو الطريق وفشلوا في هذا اللون من الإبتلاء وأن رافق الصلح تنازل عن السلطة السياسية ولكن كان ممهّداً لإظهار هؤلاء على حقيقتهم الخبيثة وتمهيد المقدّمات لفنائهم وللكلام مقام آخر ان الدرس الذي نستفيده من هذه الآية ان لا نفرض على المشرع الطريق من عندنا وبحسب أذواقنا وأهوائنا وإدراكاتنا المحدودة بل مقتضى العبودية الخضوع لله عزّوجل على مستوى الغرض والهدف وعلى مستوى الطريق.